ضاقت خيارات الشباب في لبنان إلى “تفقيس البيض”، وغدت الطموحات الكبيرة حبيسة “فقاسة” مضبوطة على حرارة الفوضى ورطوبة الإهمال في دولة بات أهل السياسية فيها أسرى سجالات “البيضة أولا أم الدجاجة”؟
يقول الكاتب الفرنسي الكبير صاحب “البؤساء” و”أحدب نوتردام” فيكتور هوغو إنّ “لا سفاهة في المهن بل السفاهة في الأشخاص”، وهنا نحيِّي “مُفقِّسي البيض” الشباب اللبنانيين من حَمَلةِ الشهادات، وسط سفاهة السلطة وهي لا تنتج إلا “البيض” الفاسد غير القابل للتفريخ، فلا حكومة فرَّخت أو ستفرِّخ قريبا ولا من “يفرّخون”، على الأقل في المدى السياسي المنظور.
بالعربية الفصحى، وبحسب معاجم اللغة، “فَسُدَ الشيء” يعني أصابه التلف والعطب، والفساد عموماً هو نقيض الصلاح، ولا غرو أن يعيش اللبنانيون في دولة المحاصصة فيما كل “ديك على مزبلته صيَّاح”، بينما بعض أهل السياسة أيضا يعانون “بارانويا” مستحكمة كأنّ يظنون أنّ لا صباح يطل إن لم يصيحوا منفوشي الريش، فيما الناس “نتفت” المصارف والسياسيات المالية ريشهم وصاروا عراة إلا من كرامتهم.
من رأى الشاب شادي فؤاد صالحة، ابن بلدة رأس المتن في قضاء بعبدا، وهو منكب على إعداد البيض منتظراً حتى يفقس، يدرك كم صار واقعنا في لبنان أشبه بكوميديا سوداء، فإلى المعاناة القائمة نجد أيضا أنّ شبابا رفضوا الإستسلام لواقع الحال، وقرروا التحدي وخوض غمار العمل بأنفةٍ وكبرياء.
قال صالحة لـ “أحوال”: “منذ عشر سنوات، وبسبب مرض والدي، اضطررت لترك دراسة هندسة شبكات المعلومات والاتصالات في المعهد الجامعي في عبيه، وإعالة أسرتي المكوّنة من 9 أشخاص، وعملت في مجالات عدة، بدأت كبائع في متجر للشوكولا في حمانا، وبعد دوامي كنت أعمل في تركيب الصحون اللاقطة للمنازل، لأفتتح متجرا للهواتف الخلوية، لكن المنافسة كانت كبيرة فاضطررت لإقفال متجري بسبب الإفلاس، والتركيز على تصليح الهواتف لعدم وجود منافسة كبيرة، وغير ذلك من الأعمال، مثل تصليح الأجهزة الكهربائية المنزلية”.
وأضاف: “مع جائحة كورونا، وبسبب مناعتي الضعيفة، واضطراري للحجر الإختياري في المنزل، صادفت ضمن بضائع اقتناها والدي أثناء إقامته في ألمانيا، (فقاسة بيض) تتسع لخمسمئة بيضة، قام بشحنها في الستينيات من القرن الماضي إلى لبنان، وكان يستعملها أحيانا قبل مرضه (وقبل أن أولد) في تفقيس الصيصان وبيعها، ولكنها من طراز قديم، إذ كانت تعمل لتقدير الحرارة والرطوبة على الزئبق، فقمت بتطويرها، لتعديل الحرارة والرطوبة أوتوماتيكياً، وزوّدتها ببطاريات وبدأتُ التجربة، وتمكّنت من تفقيس الصيصان منذ عدة أشهر وبيعها جميعها”.
الجدوى الاقتصادية
وعن الجدوى الاقتصادية، قال صالحة: “لا زلت أستثمر في عملي، لكن مع انقطاع الكهرباء المستمر اضطررت لاقتناء مولّد كهربائي، دفعت ثمنه من الإنتاج، وهناك العديد من المصاريف الأخرى، مثل شراء البيوض المخصبة، علما أنها لا تفقس جميعها، كما أنّ بعض الصيصان ينفق، وبعد مرحلة من التجارب، بدأ الإنتاج يصل إلى نسب مقبولة، مقارنة بتجربتي المتواضعة أمام أشخاص آخرين متمرسين في هذه المهنة”.
وأوضح صالحة أنه يبيع الصيصان حديثة الولادة لا يتجاوز عمرها الأسبوع، ولكنه لا يقتني الدجاج لعدم وجود مكان لديه، إذ يحتفظ بالفقاسة في شقة جانبية لهذا الغرض، وبالصيصان الصغيرة في قفص مقسم إلى حجرات على سطح المنزل وفقا لأعمارها.
وأشار صالحة إلى أنّه لا زال يستثمر في مشروعه، وقال: “حالياً، بدأت بتصميم فقاسة جديدة داخل جهاز تبريد كبير (براد مستعمل)، لزيادة الإنتاج تلبية للطلب. فبعد الجائحة اتجه الناس لتربية الدواجن، وبدأ الكثيرون يقصدونني، وأحيانا لا يكفي عدد الصيصان، لذلك استثمرت كل الأموال في شراء المولّد الكهربائي والبطاريات والوقود لتجهيز الفقاسة الجديدة، وكلّها بالدولار الأميركي، فكلّ قطعة كهربائية ولو صغيرة أصبح تأمينها يشكل عبئاً مادياً إضافياً، ولكن بالإجمال، استرديت التكاليف، ولدي عدة أهداف في المرحلة التالية، أن أعمل على أنواع دجاج أخرى، وعلى بيض النعام أيضاً، وأن ألبّي الطلب بنوعيات مرغوبة ومستحبة أكثر”.
التحديات: انقطاع الكهرباء وسعر الليرة
وعن التحديات، قال صالحة: “الدولار بالدرجة الأولى، وانقطاع الكهرباء المستمر، فقد اضطررت في مرحلة من المراحل ألا أنام لمدة أسبوع، بسبب مشاكل الطاقة، وإلا كنت سأخسر 500 بيضة دفعة واحدة، أمّا الآن فقد أصبح التيار الكهربائي متوفراً أوتوماتيكياً، وكما أنّ هناك فترة بين كل فقسة وأخرى، إذ تحتاج الصيصان ليومين لترتاح بعد خروجها من البيص، فضلاً عن اختيار البيض المناسب والمخصب وفحص كل بيضة وتجهيزها، كما أنّ تصميم الفقاسة الجديدة يتطلب الوقت والتمويل الذي لم يكن متوفراً، وأتطلع إلى إنتاج ما يكفي لسداد أثمان القطع، ولكننا حالياً في موسم الشح على مستوى هذا القطاع، فضلاً عن ارتفاع أسعار البيض بصورة مضاعفة، ونأمل ألا نضطر لرفع أسعار الصيصان كثيراً بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، فضلاً عن أوضاع الكهرباء وإمكانية ارتفاع أسعار الوقود مع الأزمة الإقتصادية المستمرة ورفع الدعم عن المحروقات كما يقال”.
وختم صالحة: “ليس لدي خيار إلا المضي قدماً، والأهم أنّ عائلتي مكتفية، ولسنا بحاجة وحالتنا تظل أفضل من كثير غيرنا، فلا زلنا في منزلنا، وسنستمر على الرغم من التحديات، ولا أدري، فقد أضيف عملاً جديداً إلى ما أقوم به، لأتمكن من إيفاء الإلتزامات المختلفة، مع ارتفاع الأسعار”.
أنور عقل ضو